العاصمة

من يعيش فى بيتى

0

إيمان العادلى

منذ أن سكنت في ذلك البيت وأنا أشعر أن شيئًا ما ليس على ما يُرام.. لا أعلم مصدر هذا الشعور ولكني كنت أحاول أن أتحاشى التفكير في هذا الأمر كثيرًا.. قد لا أستطيع أن أفسر لكم ما أعنيه ولكن كنت أشعر بطاقة سلبية تجتاح هذا المنزل.. بل تجتاح المنطقة كلها ولا أدري ما سببها..

مر على وجودي بهذا البيت اسبوعًا كاملًا وكنت في حالة عصبية لا تُحتمل ولا أدري ما السبب!.. تحدثت مع صديقي بشأن ما أشعر به ولكنه كان دائمًا ما يقول لي أن هذا أمر طبيعي نتيجة أن المكان جديد ولابد أنني سأتقلم على المكان سريعًا فلا داعي لأن أقلق..

كنت بحاجة أن أستمع لكلام يطمئنني ولو قليلًا.. لكني كلما كنت أطمئن وأتناسى هذا الشعور أجد نفسي أستمع لأصوات صراخ فظيعة.. المنطقة التي أسكن بها هادئة نسبيًا وليست حيوية كي يكون الصوت العالي طبيعيًا.. لكنه صراخ ممزوج بآهات وألم وكأن لا احد يسمعه غيري..

مر أسبوعان..

لقد أخذت قراري بأن أترك هذا المنزل وأذهب لواحد أخر لأنني لو جلست هنا أكثر من هذا يأصاب حتمًا بالجنون!..

طاقة سلبية وأصوات صراخ وألم وصوت همس وبكاء ورائحة حريق تملأ الأجواء وحي هادىء يكاد لا يسكن فيه أحد غيري وخمس أخرين!..

وبالفعل كنت أسعى لأجد منزلًا أخر لأرتاح.. ولكن حدث شيئًا غريبًا جعلني لا أترك هذا المنزل في تلك الفترة على الأقل!..

في ذات ليلة شرعت لأن أنام باكرًا لأن غد ينتظرني عمل شاق.. تجاهلت أي صوت كنت أسمعه وبدأت أسترخي لأنام..

تخيل نفسك معلق في الهواء وتنظر للأخرين ولا يرونك.. تخيل وكأنك تصوّر مشهدًا سينمائيًا من أعلى والكاميرا خاصتك تلتقط كل التفاصيل.. هكذا كنت.. أرى بعيني وأنا بالأعلى لأشاهد تلك العائلة السعيدة..

من هؤلاء؟.. لا أعرف

كانوا في غاية السعادة والبهجة ويحضروّن أصنافًا عدة من الطعام الشهي.. والدهم على وصول من سفريته التي امتدت طويلًا هذة المرة.. الجميع يشتاق له والجميع يتشارك في تحضير الطعام وتنظيف المنزل وتعليق الزينة المبهجة.. .. مهلًا مهلًا.. .. هذا بيتي!

من هؤلاء الذين يتحركون ويمرحون بل ويعيشون في بيتي؟!!

حاولت أن أتحدث ولكن كما ذكرت لك لا أحد يراني ولن يسمعني أحد.. حسنًا لنتابع..

أسرة مكونة من الأم و4 أبناء تتراوح أعمارهم بين السادسة والخامسة عشر والجدة وبعد قليل سيأتي الأب ليكتمل هذا الشمل..

أتى الأب مساءًا وكان متشوقًا للجميع وفي كامل سعادته وسط ضجيج أولاده السعداء بقدومة..

كنت سعيد حقًا وأنا أرى تلك العائلة السعيدة التي لا أعرفها ولا أعرف لماذا يعيشون في بيتي..

وحلّ الليل وتحوّل هذا البيت الذي لم يخلو من الأصوات المتداخلة حيث لعب الصغار وصراخهم وضحك الأب والأم ودعوات الجدة وفي الخلفية صوت الراديو الذي كان مفتوحًا على إذاعة القران الكريم إلى الهدوء التام حيث نام الجميع في سلام..

مر بعض الوقت وأنا أرى بعيني ظلام المنزل ولكن هناك ضوء هادئ ينير ذلك الممر المؤدي للغرف.. لمحت ظلًا من بعيد يمشي في صالة المنزل لكني لم أستطع أن أراه جيدًا.. تملكني الخوف وخصوصًا أنه كان يتمشى في الصالة ذهابًا وإيابًا.. وفجأة وقف في بداية الممر المؤدي للغرف وهنا بدأت أراه بالكامل بالإستعانة بهذا الضوء اليسير..

رجل ضخم طويل القامة يرتدي ملابس سوداء وقناع على وجهه.. عيناه تضخ شرًا.. ومعه سلاحًا ناريًا!..

امتلكني الخوف منه وأشعر أنني سأشاهد فيلمًا مرعبًا بعد قليل، فهذا الرجل أعتقد أنى قد أتى للسرقة وإن اعترض أحدهم طريقه سيقتله دون أدنى تفكير.. أتمنى ألا يشعر به أحد لكي يبقى الجميع في سلام..

تحرك ببطء ناحية إحدى الغرف ووقف عند بابها يسترق بسمعه هل من صوت بالداخل أم لا.. فعل ذلك عند كل الأبواب لكل الغرف.. كان يطمئن ألا أحد يُصدر صوتًا..

نظر إلى مسدسه قليلًا ثم توجه إلى المطبخ وأحضر سكينًا كبيرًا.. وتوجه إلى أول غرفة.. غرفة الأب والأم..

تجمد الدم في عروقي.. لقد نوى هذا المجرم أن يقتل الجميع!.. ولن يقتلهم رميًا بالرصاص بل بالذبح واحدًا تلو الأخر وكأن أرواح هؤلاء أقل من أن يُطلق عليهم تلك الرصاصات ويخسرها!..

ذهب إلى غرفة الأب والأم وكنت أنا بمثابة الكاميرا التي ترى كل شيء..

أغلق الباب من خلفه ووقف أمام السرير ينظر للزوجين النائمين وتوجه نحو الزوج ووضع يده على فم ضحيته وبحركة سريعة لا تصدر إلا من قاتل محترف.. شعرت الزوجة بحركة ما فاستيقظت ولكنها قبل أن تستفيق بادرها المجرم سريعًا وذبحها..

انطلق بخطوات ثابتة وكأنه لم يفعل شيئًا واتجه نحو الباب وأغلقه من خلفه بعد أن ألقى نظرة خاطفة على ضحيتيه الذي ذبحهما وترك الدم يتدفق بغزارة وأعينهم شاخصة في الفراغ لتشهد اللحظات المفزعة الاخيرة في حياتهما..

دخل الغرفة التي تنام بها الجدة وحاول أن يمشي بخطوات هادئة أكثر لأنه يعلم أن كبار السن غالبًا ما يستيقظون سريعًا، ولكنها استيقظت وقالت من هنا..

فأسرع تجاهها وكتم أنفاسها بيده وذبحها بحركة سريعة كسابقيها..

في تلك الأثناء شاهدته الطفلة ذو الثمان أعوام عندما خرجت من غرفتها لتذهب إلى الحمام.. شاهدته لأنه لم يغلق الباب من خلفه وهو يذبح جدتها..

حاولت كتم أنفاسها وذهبت ترتجف لتختبئ تحت احدى الكنبات.. تلك الكنبة التي كانت معتادة أن تختبئ تحتها عندما كانت تلعب مع اخوتها كما حدث في صباح هذا اليوم المشئوم..

خرج هذا المجرم من غرفة الجدة وأغلق بابها ولاحظ أن هناك بابًا مفتوح فذهب سريعًا لتلك الغرفة وذبح من كانت ترقد في سريرها ووجد السرير الأخر فارغًا وهذا ما جعله يرتبك!..

اغلق الباب من خلفه وفتّش في المطبخ بنظرة سريعة ثم دورة المياة ولكن لم يجد أحد..

ذهب سريعًا للغرفة التي يرقد بها الطفلين الأخريين وكرر فعلته.. بعدها فتح كل الأنوار وحاول أن يفتش على من قام من سريره ولم يجده.. بحث كثيرًا ولم يجد أحد..

دخل لغرفة المكتب سريعًا وقام بأخذ كل الأوراق والمستندات التي يريدها ولم يستغرق هذا ثلاث دقائق ثم حمل حقيبته وهمّ بالرحيل ولكنه حاول أن يبحث مرة أخرى ليجد من يحاول أن يختبئ منه ولكن لا أثر له..

وقف قليلًا وفكر مليًا ثم فتح حقيبته ليُخرج منها قنبلة ووضعها أعلى الطاولة.. دقيقتان وتنفجر..

ذهب سريعًا وأغلق باب البيت من وراءه بالمفتاح كي لا يتمكن هذا الذي يحاول الهروب منه من أن ينجو بحياته..

نزل على درج العمارة سريعًا وركب سيارته وكشف عن وجهه ونظرت إلى ملامحه وكانت واضحة أمامي جدًا ورأيت أرقام سيارته (ق ع م. 468)..

كنت أبكي وأصرخ بلا صوت.. رأيت تلك الطفلة وهي لازالت تحت تلك الكنبة وتبكي وهي مغمضة عيناها بدون صوت وترتجف..

كنت أبكي وأصرخ وكنت أتمنى لو أنني أستطيع انقاذها.. حاولت أن أصرخ لكن لا أحد يراني أو يسمعني..

5 . 4 . 3 . 2 . 1

بووووووووووووووم

استيقظت فزعًا..

قلبي يرتجف وعيناي غارقة بالدموع وجسدي بأكمله يرتجف..

جلست ساعتين أحاول جاهدًا أن أتماسك ولكن تفاصيل ذبحهم جميعًا ما زالت أمام عيني..

قمت أتجول في البيت وأنا أرتجف وكأن هذا المجرم مازال هنا وسيذبحني أنا الأخر..

تلك هي غرفة الزوجين، وهذه هي غرفة المكتب، تلك غرفة الجدة، وهذه غرفة الصبيين..

مهلًا!!

الغرفة التي كنت نائمًا فيها هي غرفة الفتاتين وأنا أضع سريري الصغير تقريبًا في نفس موقع سرير الفتاة التي حاولت أن تنجو!..

بدّلت ملابسي وخرجت سريعًا لأذهب إلى صديقي، وعندما كنت أسير باتجاه سيارتي رأيت رجلًا عجوزًا يسير بجواري فأوقفته

أنا:- عذرًا سيدي.. هل تقطن هنا في تلك المنطقة

العجوز:- نعم يا ولدي.. أعيش هنا منذ 30 عامًا تقريبًا

أنا:- أتعرف هذا المنزل؟ (وأشرت له على منزلي)

العجوز:- نعم إنه منزل الدكتور سعد الدين المسيري رحمه الله

أنا:- هل تذكر ماذا حدث له؟

العجوز:- لقد توفي هو وعائلته في حادث انفجار كبير بداخل منزله منذ عامين يا ولدي

شعرت حينها أن رجفة تزلزل كياني كله من هول ما سمعت..

انطلقت سريعًا وذهبت لصديقي وقد رويت له كل ما حدث.. وقد أوصلني بصديق له يعمل في الشرطة ورويت له الحادث تفصيليًا وذكرت له مواصفات هذا المجرم الذي أذكره جيدا أرقام لوحات سيارته..

عرض عليّ صديقي بعد ذلك أن أترك المنزل وأذهب تلك الليلة لأنام عنده ولكني رفضت.. شعرت أن كل ما حدث ما هو إلا رسالة من أصحاب هذا المنزل الذي لم أعرف تاريخه قبل أن أسكنه لأعرف ذلك القاتل لينال عقابه..

مرّت الأيام واستدلت الشرطة على مرتكب الجريمة الذي كان يتطابق فعليًا مع من رأيت في منامي..

..

لقد أخذت لكم حقكم.. لقد سعيت بكل ما أوتيت من قوة لينال القاتل جزاءه.. ارقدوا في سلام.. ولتهدأ أرواحكم جميعًا في الجنة.. سأترك هذا البيت لإنه بيتكم أنتم لا بيتي أنا.. غفر الله لنا ولكم.. الوداع..

قلت تلك الكلمات وأنا على عتبات المنزل وقد نويت الرحيل.

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading